الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
.102- تحقيق: 1- التعريف:التحقيق في اللغة: من الحق، وهو الأمر الثابت يقينا؛ والمحقق: هو الذي يتحقق من ثبوت الأمر؛ جاء في لسان العرب: حَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأَحَقَّه، كلاهما: أَثبته وصار عنده حقّاً لا يشكُّ فيه. وأَحقَّه: صيره حقّاً. وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وقال ابن دريد: صدَّق قائلَه. وحقَّق الرجلُ إِذا قال هذا الشيء هو الحقُّ كقولك صدَّق. ويقال: أَحقَقْت الأَمر إِحقاقاً إِذا أَحكمته وصَحَّحته؛ وأَنشد: وحَقَّ الأَمَرُ يَحُقُّه حَقّاً وأَحقَّه: كان منه على يقين؛ تقول: حَقَقْت الأَمر وأَحْقَقْته إِذا كنت على يقين منه. ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا حِقاقٌ أَي خُصومة. والتحقيق في الاصطلاح عرفه الجرجاني: بأنه إثبات المسألة بدليلها. وأما التحقيق الجنائي الذي نحن بصدد الحديث عنه فهو: الوسيلة التي يمكن عن طريقها التوصل لمعرفة مرتكب الجريمة وظروف ارتكابها أو المشتركين فيها. أو هو: مجموعة الإجراءات التي تباشرها السلطة المختصة، قبل المحاكمة بقصد الوصول إلى الحقيقة عن طريق التثبت من الأدلة القائمة على ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى فاعل معين. 2- نبذة مختصرة عن تطور التحقيق الجنائي عبر العصور: * أولا: مرحلة ما قبل الإسلام: عرف التحقيق الجنائي لدى المصريين القدامى، وكانت الوسيلة الأساسية في التحقيق، هي تعذيب المتهم والاعترافات المتولدة عنه، ولجأوا إلي المعاينة عند اللزوم، وعرفوا القبض على الجناة وتحليفهم اليمين، وتفتيشهم، وحمل المتهم على تمثيل الواقعة التي ارتكبها في مكان وقوعها، وفي النهاية كان الحاكم يقدم النتائج التي اهتدى إليها بنفسه. أما الصينيون القدامى فإنهم يعتمدون في التحقيق، على مظاهر النشاط الفردي للإنسان، فيقدمون للمتهم كمية من دقيق الأرز ليمضغها ثم يبصقها بعد ذلك فإن كان الدقيق جافا قرروا أنه مذنب، وإن كان رطبا قرروا براءته، وهذا اعتقادا منهم على أن الشخص البريء يكون في حالة طبيعية وبالتالي تؤدي الغدد وظائفها المعتادة في إفراز العصارات المختلفة ومنها اللعاب، أما إذا كان مذنبا فإن الانفعال يؤدي إلى توقف بعض الغدد عن الإفراز فيجف الفم. وأما حكماء اليونان فإنهم يقومون بجس نبض المتهم لمعرفة ما إذا كان متهما أم بريئا، صادقا أم كاذبا. وفي أوروبا كان الإيطاليون يستعملون طرقا وحشية لحمل المتهم على الاعتراف، فكانوا يعلقونه من رأسه بحبل ثم يدلى إلى الأرض بين آن وآخر حتى يعترف، وأحيانا يجبرونه على مصارعة الوحوش، وكانوا يستعملون الماء في تعذيب المتهم فيصبون في جوفه كمية كبيرة من الماء حتى يكاد ينفجر ثم يضرب على بطنه حتى يخرج الماء من فمه. وفي إنجلترا كانت طريقة التعذيب تتم بنقل المتهم إلى كهف مظلم تحت الأرض وإلقائه شبه عار على ظهره ويوضع ثقل من الحديد على جسمه ويقدم له الطعام الفاسد والماء المتغير حتى يعترف أو يعفى عنه. وخلاصة القول أن الإكراه والتعذيب كانا من أشهر الوسائل السائدة في عصر ما قبل الإسلام التي يعتمد عليها في التحقيق، وربما أدى ذلك إلى حمل المتهم على الاعتراف كذبا على نفسه، لأن عقوبة الجريمة كانت أسهل من وسائل التعذيب في التحقيق. * ثانيا: التحقيق في صدر الإسلام: عندما أضاء نور الإسلام، وظهر دين الله على سائر الملل والنحل، ظهر بظهوره ميزان العدل، وأفل نجم الظلم والتعذيب، وحفظت لبني الإنسان كرامتهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء آية 70]، فحفظت الشريعة الإسلامية للمظلوم حقه حتى ينتصر له ممن ظلمه، وحفظت أيضا للمتهم بالظلم كرامته حتى يثبت أنه ظالم، فيمنع عن الظلم ويعاقب بما فيه مصلحة عامة للفرد والمجتمع، فقررت الشريعة ضوابط لتلقي الإخباريات والشكاوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات 6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم..». وحددت ضوابط لإثبات الجرم على المجرم، كالإقرار والشهادة، والقرائن الصحيحة، وسنبين هذه الأمور في موضعها إن شاء الله تعالى. * ثالثا: التحقيق في العصر الحديث: لم يقف التحقيق الجنائي جامدا في العصر الحديث، بل تطور وسار جنبا إلى جنب مع المستجدات والمتغيرات الحديثة، واستفاد من العلم الحديث، ومن ذلك علم البصمات التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة 4]، فأصبحت البصمات اليوم تشكل عنصرا مهما في الكشف عن الجريمة ومعرفة مرتكبها، كما استخدمت عدد من الأجهزة والوسائل، كجهاز الكشف عن الأسلحة والمتفجرات، وأجهزة التحليل الكيميائي، والطب الشرعي، وأجهزة كشف التزوير، وغيرها. 3- خصائص التحقيق: يختص التحقيق الجنائي بأمور من أهمها: 1- الإثبات بالكتابة. 2- سرية الإجراءات. 3- حيدة المحقق. 4- حفظ حقوق المتهم. وتفصيل هذه الخصائص على النحو التالي: * أولا: الإثبات بالكتابة: وتتمثل هذه النقطة فيما يلي: 1- يجب إثبات جميع إجراءات التحقيق كتابة. 2- يتم تحرير محضر التحقيق بواسطة كاتب ضبط، وإذا استشعر المحقق حرجا من الاستعانة بكاتب معين مظنة المساس بحسن سير التحقيق جاز ندب غيره. 3- يفتتح محضر التحقيق ببيان اسم المحقق، ووظيفته، واسم كاتب الضبط، ومكان تحرير المحضر وتاريخه، ونص البلاغ وساعة تسلمه. 4- يحرر المحضر بخط واضح دون شطب أو محو أو تحشية، أو ترك فراغ، وإذا اقتضى الأمر إضافة أي شيء إلى الأقوال فعلى الكاتب بيان ذلك في هامش المحضر، والتوقيع عليه من المحقق والكاتب. 5- ترقم صفحات المحضر، ويذكر اسم من أخذت أقواله وهويته المفصلة، وصلته بالقضية، سواء كان متهما، أو شاهدا، أو خبيرا. 6- يوقع كل من المحقق والكاتب بنهاية كل صفحة من صفحات المحضر، وكذلك يوقع من أخذت أقواله بعد تلاوتها عليه، أو يضع بصمة إبهام يده اليمنى أو أي أصبع من أصابعه إذا تعذر أخذ بصمة الإبهام، وذلك إذا كان أميا؛ وإن امتنع عن الإجابة أو التوقيع يشار إلى ذلك في نهاية المحضر. 7- إذا دعت الحاجة إلى الاستعانة بمترجم يشار إلى ذلك كتابة في المحضر. 8- تدون باللغة العربية الأقوال الصادرة عن أصحابها بصيغة المتكلم، وعلى مسمع من قائلها، الذي له أن يبدي تعليقاته على الصيغة التي لا تتفق مع ما يريد الإفصاح عنه. 9- يقوم المحقق بإملاء الكاتب صيغة السؤال، والإجابة عنه بعيدا عن أي إبهام أو غموض، وبما أفصح عنه من أُخذت أقواله وليس بما يعتقده المحقق. 10- تعتبر محاضر الهيئة المنظمة من قبل الأعضاء المستوفية للشروط الشكلية صحيحة حتى يثبت تزويرها. * ثانيا: سرِّية إجراءات التحقيق: تعتبر إجراءات التحقيق والنتائج التي يسفر عنها من الأسرار التي لا يجوز إفشاؤها من العاملين في دوائر التحقيق أو الإدعاء، وكل من يتصل بالتحقيق أو يحضره بسبب وظيفته أو مهنته، وقد ورد النص على ذلك في المادة (67) من نظام الإجراءات الجزائية على النحو التالي: (تعد إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار التي يجب على المحققين ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف منهم تعينت مساءلته). * ثالثا: حيدة المحقق: على المحقق أن يكون في موقع المحايدة بالنسبة لأعمال التحقيق، ويتمثل ذلك فيما يلي: 1- للمحقق إذا كانت لديه أسباب يستشعر معها الحرج من التحقيق في القضية، أن يطلب من رئيسه تنحيته عن التحقيق فيها، وذلك بمذكرة مسببه ولرئيسه قبول الطلب أو رفضه. 2- لا يجوز للمحقق مباشرة أو تحقيق وتحضير أي قضية أو إصدار قرار فيها في الحالات التالية: أ- إذا وقعت الجريمة عليه شخصيا، أو كان زوجا لأحد الخصوم، أو تربطه بأحدهم قرابة أو نسب حتى الدرجة الرابعة. ب- إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها التأثير على مسار التحقيق. ج- إذا كان قد سبق أن أداء المحقق شهادة فيها أو باشر عملا باعتباره خبيرا أو محكما. * رابعا: حفظ حقوق المتهم: 1- لا يسوغ للمحقق أن يحول دون إسعاف المصابين بقصد إجراء التحقيق أو استكماله. 2- لأي من الخصوم أن يطلب من رئيس الهيئة تنحية المحقق عن التحقيق في القضية قبل مباشرة إجراءات التحقيق الأساسية أو أثناءه لأسباب يوضحها في طلبه، ولرئيس الهيئة قبول الطلب أو رفضه. 3- للمتهم حق الاستعانة بوكيل أو محام للدفاع عنه وفق الأنظمة، نصت على ذلك المادتان (4، 64) من نظام الإجراءات الجزائية. 4- ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله الحاضر معه أثناء التحقيق، نصت على ذلك المادة (70) من نظام الإجراءات الجزائية. 4- إجراءات التحقيق: تتمثل إجراءات التحقيق في الأمور التالية: 1- الاستجواب.… 2- الانتقال والمعاينة.…… 3- التفتيش. 4- التصرف في التحقيق. وبيان هذه النقاط على النحو التالي: * أولا: الاستجواب: (مضى الكلام عليه في مادته: استجواب). * ثانيا: الانتقال والمعاينة: أ- الانتقال:هو ذهاب القاضي أو المحقق أو رجل الضبط إلى مكان وقوع الجريمة، حيث توجد آثارها وأدلتها. ب- المعاينة: هي إثبات مباشر ومادي لحالة شخص أو مكان معين من خلال الرؤية أو الفحص المباشر. والهدف من الانتقال والمعاينة جمع الآثار والأدلة التي تخلفت عن الجريمة، وكذلك ضبط أقوال شهود الحال، فضلا عن أنهما يمكنان المحقق من تكوين صورة واضحة وكافية عن حقيقة وقائع الجريمة، ومختلف دوافعها. * ضوابط الانتقال والمعاينة الواردة في نظام الإجراءات الجزائية: 1- ينتقل المحقق عند الاقتضاء فور إبلاغه بوقوع جريمة داخلة في اختصاصه إلى مكان وقوعها لإجراء المعاينة اللازمة قبل زوالها أو طمس معالمها أو تغييرها. (م/ 79). 2- يجب أن ينتقل رجل الضبط الجنائي بنفسه إلى محل الحادث للمحافظة عليه، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة، والمحافظة على أدلتها، والقيام بالإجراءات التي تقتضيها الحال، وعليه أن يثبت جميع هذه الإجراءات في المحضر الخاص بذلك. (م/27). 3- يجب على رجل الضبط الجنائي في حالة التلبس بالجريمة أن ينتقل فوراً إلى مكان وقوعها ويعاين آثارها المادية ويحافظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة. (م/31). 4- لرجل الضبط الجنائي عند انتقاله في حالة التلبس بالجريمة أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه، حتى يتم تحرير المحضر اللازم بذلك، وله أن يستدعي في الحال من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة. (م/32). 5- للمحكمة إذا رأت مقتضى الانتقال إلى المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو إلى مكان آخر لإجراء معاينة أو لسماع شاهد لا يستطيع الحضور أو للتحقيق من أي أمر من الأمور أن تقوم بذلك وتمكن الخصوم من الحضور معها في هذا الانتقال ولها أن تكلف قاضيا بذلك. وتسري على إجراءات هذا القاضي القواعد التي تسري على إجراءات المحاكمة. (إجراءات/170، مرافعات /112). |